تعديل

الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

مائة عام .. مابين من هم والديها أن يأكلاها ومن ترفض البرقر النو شيز ..



الزمن : أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين
المكان : صحراء نجد

كل شيء يدل على كارثه قادمه ومجاعه عامه  ستجتاح البلاد .. محاصيل الأرز انقطعت برغم عدم كثرتها أساسا .. كما أن صيد الأسماك تدهور كثيراً .. إضافه إلى أن الدول الغنيه وقتها كالعراق ولبنان ومصر أشاحت أنظارها عما يحدث .. باعتبار السعوديه مجموعه من البدو الرحل وهذه هي حياتهم وعليهم أن يتكيفوا معها .. ربما أخذت الشفقه بعض الدول وقدمت المساعده لكن بقروض ذات فوائد أرهقت ميزانية الدوله الوليده .. لكن من رحمة الخالق أن كان وقتها دول كالسودان وباكستان قدمت مساعدات لا لشيء وإنما طلباً للأجر .. وعلى الصعيد الأمني لم يكن هناك أي بوادر تبشر بالأمل .. فصراعات القبائل مستمره .. والنهب والسرقه تتم بشكل عشوائي ولاقانون يحكم أو يردع .. ومن الطبيعي في ظل هذه الأجواء المسمومه أن تتناثر قصص كثيره عن موت قوافل كامله بسبب التغذيه والأمراض .. بل والمفزع أن مات تم أكله بواسطة من لايريد أن يلاقي نفس المصير .. وهو شيء قديم موجود بثقافات الشعوب .. فأينما تحل مجاعه إلا وتعقبها أخبار عن أكل لحوم البشر .. دعك من أن الجهل في كل شيء والتعصب يضرب اطنابه حول الشعب .. حاضر لايبشر بأي خير ومستقبل أسود من الليل .. هذا هو الوضع السائد وقتها ..




في إحدى قرى نجد التي هجرها أهلها أو معظمهم .. منهم من فر حتى خارج البلاد إلى دول قريبه .. كان هناك رجل بسيط هو وزوجته وابنته المراهقه .. وكان محمل بأنواع الهموم والتوتر من تبعات الواقع الصعب .. فالأكل انقرض أو كاد والماء جدا شحيح فضلاً عن صحته .. قرر عندها أن يهاجر كغيره لمدن أخرى وإن كان لايعرف أين .. هذا بالإضافه إلى أن الوضع الأمني غير مستقر بالمره فليس القتل أقل ماينتظر زوجته وابنته فحوادث الاغتصاب يسمعها بين الحين والاخر .. لكن القرار أصبح إجباري خصوصاً أنه المسؤول عن عائلته وعن إطعامها .. لم يفكر كثيراً وقد قرر أن يرحل علها يصادف قريه يجد فيها مايردي أو قافله تؤويه وعائلته .. فموت محتمل خير من موت مؤكد .. طالت رحلته لأسابيع ومؤونته بدأت نفدت .. وليس هناك أي بصيص للأمل .. والجثث المتناثره حول طريقه لم تزد الوضع إلا سوء .. حاول أن يبحث عن مصدر طعام متسلحاً ببندقيته العتيقه .. لكن يبدو أن الحيوانات نفسها انقرضت .. جرب كل وسيله حتى أكل الجيف والأعشاب الجافه .. إلا أنها لم تفعل شيئاً .. حتى أتت لحظة الحقيقه .. وعربدت برأسه فكرة جنونيه أوحى بها حادث قد سمعها ودفعها بكل قوة غريزة الجوع التي تقضي على كل ذرة من المنطق .. فقد دله شيطان الجوع أن يقتل ابنته ويلتهمها هو وزوجته .. وحاول أن يقنع زوجته بهذا الأمر .. والتي بدورها استبد بها الجوع وبلغ منها كل مبلغ .. رفضت بالبدايه لكن مع ظلال الموت التي تخيم عليها .. ومع مبررات زوجها التي ساقها لها .. فالفتاه قد لاتعيش كثيرا وصحته بدأت بالتدهور .. فضلاً على أنها لم تكن ولداً كما تمنيا كثيراً كترجمه لفكر يقدس الذكور .. بعد مشاورات لم تطل وافقت لكن بشرط أن يتم هذا بعيداً عنها .. وافق الأب وأخذ ابنته الى هضبه صغيره وطلب منها أن تجلس قليلاً لكي يبحث لها عن أكل .. وافقت الفتاه البريئه وهي واثقه كل الثقه أنها تحت حماية أبيها .. دون أن تعلم أن عاطفتي الأبوه والأمومه مزقهما الجوع شر ممزق واًبحتا شيئا من الماضي .. اختلا بنفسه قليلا وراودته أفكار في لحظه ضعف وهو يتذكر مولودته الصغيره وحبه لها رغم أن البعض نصحه بالتخلص منها في مجتمع لم يخلق للفتيات ابداً .. حاول أن يكفكف دموعه وهو يتذكر أن تضحيتها ستكون من أجل والديها أو هكذا وسوس له الشيطان .. فلما رجع إليها وجد نظرة رعب في عينيها وهي تتطلع إلى ذئب ضخم الجثه رغم أن الذئاب التي يراها هزيلة الجسم نتيجة لنقص الطرائد .. وبدون أي تردد رفع بندقيته وأطلق النار على الذئب .. ويبدون أن العقل رجع إليه مع صوت الرصاص .. فضم ابنته بقوه وبكى مع انهيار مشاعره وتصادم انفعالاته الأخيره .. وتذكر أن هناك رحمن رحيم يدبر الأمور كيفما يشاء .. فقام بشواء الذئب وأكله هو وعائلته لعدة أيام .. حتى التقى بقافله ذاهبه إلى إحدى القرى مودعا معها فصل أسود من التاريخ ..


لست أعلم لماذا تذكرت هذه القصه التي رواها لي قديماً شيخ طاعن بالسن .. هل السبب هو أني قبل فتره قريبه عندما كنت مع عائلتي في أحد المطاعم .. وكانت هناك على إحدى الطاولات مجموعه من الفتيات التي لم تتجاوز أكبرهن العشرين من العمر .. وقد انهالن على العامل المسكين بشتى أصناف الأكل والوجبات الإضافيه والحلويات .. وكانت طاولتهن تكفي لإطعام ألف مسكين على الأقل .. وليس هذا أسوأ مافي الأمر فقد تكون هذه المجموعه اللطيفه شرهات للأكل وهو أمر شخصي .. لكن ما آلمني هو أنه بعد فراغهن كانت أغلب الوجبات لم تمس .. فإحداهن كانت متذمره لأن البرقر لم يحتوي على جبن والأخرى تعللت بأنها (عامله دايت) ..


أم أن السبب هو مظاهر الشراء الجنونيه التي عمت السوبرماركات الكبيره .. فيبدو أن الجميع - في ظاهره تتكرر سنويا تقريبا – يشتري مالايحتاج أكثر ممايحتاج .. وللأسف قوافل العربات المصطفه أما المحاسب مصير أغلبها أكوام الزباله .. رغم أنها تكفي لإطعام جيش كامل ..


أم أن السبب هي مجاعة الصومال .. التي لم ينظر لها العالم بجديه أكبر حتى الآن .. فالجميع غارق بشؤونه الخاصه .. وإن كنت أرى أنه شأن عربي إسلامي بالدرجه الأولى ..


هناك أسأله تتداعى في ذهني وأنا أتذكر القصه :
هل تلك الفتاه المسكينه كانت تعلم أنه في يوم ما ستقوم إحدى حفيداتها برفس النعمه والتكبر عليها لأسباب تدل على تفاهة صاحبتها ؟؟ لا أعتقد مهما بلغ جموح خيالها ..


هل كانت تلك الدول تتوقع أن يأتي يوم وينقلب الحل وتسوْ أوضاعها وتزدهر أوضاع دولة البدو الرحل لدرجة أن يقدموا لها المساعدات تلو المساعدات دون مقابل ؟؟


أما السؤال المخيف .. هل هنالك شيء يمنع أن تعود الحال مرة أخرى ؟؟ أدعو من الله ألا يأتي ذلك اليوم أبداً وألايعود ذلك الماضي البائس إلينا يوما ما ..


يقول الله تعالى : { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس }
كما يقول جل جلاله : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More