تعديل

الأحد، 25 سبتمبر 2011

(الشاهنامه) ..عندما يكون الكتاب هو المنقذ لحضارة أمه ..

هو ليس مجرد كتاب .. أو حتى مجموعة قصص .. بل ملحمه كامله تحكي قصة أمة .. هي احدى روائع الأدب و الفن في العالم .. ديوان من الملاحم و القصص و الفنون الأدبية و الفلسفية و الحكمية نظمت بحيث أصبحت تاريخاً لشعب متمدن قديم، و صوّرت مختلف جوانب حياته عبر العصور القديمة: أهدافه، آماله، انتصاراته، محنه، أخلاقه، عاداته، تقاليده، عقائده؛ مسجلة كافة الملاحم الإيرانيةالقديمة .. لقد جمع مؤلفها أهم الاساطير الايرانيه القديمه و عرضها بأسلوب رائع و اطار مدهش و إيقاع أخّاذ..حتي أصبح هذا العمل الادبي الكبير مصدر إلهام لعدد كبير من الشعراء و المفكرين عبر العصور .. للشاهنامه عند الفرس مكانة عظيمة و هو سجل تاريخهم، و أناشيد مجدهم، و ديوان لغتهم .. ويدين بنو فارس لها بالفضل بعد الله بحفظ جزء كبير من تاريخهم التليد وأساطيرهم الغابره لدرجة أن ابن الأثير اسماها (قرآن الفرس) ..

لكن متى كانت البدايه ؟؟ ومن هو مؤلفها ؟؟
الشاهنامه بالنص الأصلي (اللغه الفارسيه)



هو الحكيم ابوالقاسم الفردوسي، أكبر شاعر ملحمي فارسي، و أحد المع وجوه الأدب في العالم. ولد بطوس الايرانية في أسرة اقطاعية، إسمه المنصور بن الحسن بينما ذكرت له بعض المصادر اسماء اخري كالحسن بن علي، و الحسن بن اسحاق بن شرف شاه .. الثابت أنّ كنيته ابوالقاسم و لقبه الفردوسي.. اختلف المؤرخون في تاريخ ولادته ووفاته لكن الأرجح أنه ولد بين 324 - 329 هـ و توفي في 1411 - 416 هـ ..


و شهدت ايران ـ سيما خراسان ـ في ذلك الوقت تحولات سياسيه بارزه قبل نظم الفردوسي للشاهنامه و خلال نظمها و منها ظهور و انقراض الاسره السامانيه التي يقول المؤرخون انّ ملوكها ينتسبون الي بهرام جوبين القائد الساساني. و كانت هذه الاسره تبدي رغبه عظيمه في احياء ما لا يتعارض مع الاسلام من السنن و الآداب الايرانيه القديمه، تؤكد علي احياء التراث الايراني.


و في مثل هذه الظروف ولد شاعرنا الفردوسي، و تفتحت عيناه علي الاسلام من جهه و علي النزعه نحو التراث من جهه اخري. و لاشك ان هذا قد ترك تأثيراً كبيراً عليه، و خلق لديه تعلقاً منقطع النظير بالحضاره الفارسيه القديمه.. و وجد في نفسه دافعاً يدفعه نحو تخليد التراث القديم عبر لغه الشعر، تلك اللغه التي كان رائداً فيها.


لكن الفردوسي و رغم اعتزازه بالماضي الايراني الذي سبق الاسلام، فقد كان فخوراً باسلامه ايضا ويكنّ اعظم الاحترام للرسول (صلى الله عليه وسلم) و المقدسات الاسلاميه.. ففضلاً عن كونه ايرانياً اصيلاً، كان ايضاّ مسلماً ملتزماً لم ينحرف عن عبادي مباديء الاسلام ذره و لم ينظم ما يتعارض مع العقيده الاسلاميه و لهذا لا معني لما رمته به بعض المصادر من القرمطه او الباطنيه و الزرادشتيه و غيرهما.. و هذه الشاهنامه تؤكد علي لسانه ايمانه بالله و توحيده، و اعتقاد بالرسول (صلى الله عليه وسلم) و تدينه بالاسلام و اعتزازه بالكعبه و المقدسات الاسلاميه..


بداية القصه هنا عندما طلب السلطان سيف الدوله محمود سبكتكين الغزنوي من الفردوسي أن ينظم شاهنامه خاصه به مقابل ديناري ذهب عن كل بيت .. وقد درج في ذلك الوقت أن ينظم كل شاعر الشاهنامه الخاصه به .. بعضها لم تكتمل وبعضها فقد وبعضها غير ذي أهميه .. غير أن الفردوسي نظمها بإتقان كبير طوال 30 سنه بلا كلل أو ملل في 60 ألف بيت .. لكنه بالنهايه كوفيء بجائزه أقل بكثير مما وعد وأعطي الفتات .. حسب بعض المصادر درهم حديد مقابل ألف بيت .. وللأسف لم تقدر هذه التحفه العظيمه حق قدرها في ذلك الوقت .. ولم يكرم شاعرها حق التكريم .. ورد في تاريخ سيستان لمؤلف مجهول انّ الفردوسي قد قرأ الشاهنامه علي السلطان محمود لعده ايام.. و عندما فرغ منها قال له السلطان: ليس فيها شيء سوي حديث رستم .. و في جيشي الف رجل كرستم! فقال له الفردوسي: أطال الله عمر السلطان .. أنا لا أدري كم في جيشك مثل رستم، لكني أدري أن الله تعالي لم يخلق عبداً له كرستم. فقال السلطان لوزيره: إنّ هذا الصعوك قد رماني بالكذب ..


شاهنامه الفردوسي لا تعد اكبر و اغني ديوان شعري وصل الينا من العهد الساماني فحسب، بل هي في الواقع اهم وثيقه تتحدث عن عظمه اللغه الفارسيه، و اكبر شاهد علي ازدهار الحضاره الايرانيه القديمه ..
لقد قال المستشرق الانجليزي كوويل (cowell) في الشاهنامه: «ذكر اغوست امبراطور روما انه عندما استلم روما كانت كلها من الآجر، و عندما سلّمها كانت من المرمر. الفردوسي كذلك وجد بلده تقريباً بدون ادب فسلّم اليه الشاهنامه التي لم يستطع الادباء من بعده سوي تقليدها، دون ان يتفوق احد عليها.. انها ملحمه بامكانها ان تنافس كل اثر، و لا نظير في آسيا بأسرها مثلما هو حال ملاحم هو ميرس في اوروبا.. اما رضا قلي خان هدايت فيقول فيها: انها رساله عظيمه و بحر زاخر باللآليء، و يندر ان نجد كتاباً منظوماً بهذا الاسلوب و الاتساق، و ليس لشعراء العجم كتاب كشاهنامه الفردوسي و مثنوي المولوي..
اما ابن الاثير فيقول بأنّ التطويل يضع الشعر العربي و يفقد هذا الشعر حلاوته اذا ما نظم مائتا او ثلاثمائه بيت في موضوع واحد، علي العكس من الكتابه. غيرانّ العجم يتفوقون علي العرب في انّ بامكان شاعرهم ان ينظم كتاباً كاملاً دون ان يفقد شعره بلاغته و فصاحته، بالضبط كما فعل الفردوسي في الشاهنامه … فهي تتألف من 60 ألف بيت، و رغم هذا فقد اجمع فصحاء العجم ان ليس في كلامهم ما هو افصح منها ..
هذا فيما يقول البروفسور رستم عليوف: «الشاهنامه موسوعه تتحدث عن ثقافه الشعب الايراني و علمه و فنه و تاريخه القديم، و نحن بحاجه الي سنوات مديده من البحث و الدراسه حتي يمكن فهم و ادراك عمق الكتاب الكبير» ..
و لم تترك الشاهنامه تأثيرها علي الادب الفارسي فحسب، بل نفذت الي الادب العالمي ايضاً و تركت بصماتها عليه.. و قد ترجمت الي اللغه العربيه في مطلع القرن الهجري السابع (620 ـ 626 م) من قبل الفتح بن علي البنداري.. و منذ القرن 18 م ترجمت الي مختلف اللغات العالميه كالانجليزيه و الفرنسيه و الالمانيه و الروسيه و الايطاليه و الهنغاريه و الدانماركيه و التركيه و الارمنيه و الجورجيه..
و قد تأثر بالشاهنامه الشاعر الالماني هنري هافيه و الشاعر الفرنسي فيكتور هيجو.. و قام الشعار و الكاتب الفرنسي لامارتين (1790 ـ 1869 م) بشرح قصه رستم .. إحدي قصص الشاهنامه .. فيما اثني الشاعر الالماني غوته عليها ..




بعض من قصصها :


الإختصار لاينفع مع الشاهنامه حالها حال الكتب العظيمه .. لأنها ليست مجرد قصص .. بل تحتوي على لمحه كامله من ذلك العصر وعِبر فلسفيه عميقه لابد من تشربها كامله .. إجمالاً تضم الشاهنامة أربع اساطير طويلة حافلة بالمأساة والألم أو ما يعبر عنه اليوم بالتراجيديا: ايرج، رستم و سهراب، رستم و اسفنديار، سياوش.. وهي شخصيات مترابطه عبر سلسله من الأحداث الخاطفه .... لكن من أهمها بالنسبة لي هي قصة رستم البطل العظيم الباحث عن القتال ولم يمنعه ذلك من الزواج من أجمل بنات فارس في ذلك الوقت (تهمينه) وأنجب منها ابنه (سهراب) ولم يره بعدها .. ونشأ سهراب بعدد ذلك مقاتلاً شجاعاً عظيماً مثل أبيه .. وتقود الأحداث رستم لصراع شديد مع رجل لم يعهد أحداً بقوته .. لكنه تمكن من قتله بالنهايه .. ليكتشف الحقيقه المره والصدمه الأليمه عندما اقترب من الرجل وهو يحتضر وقال له الرجل بعدما رآه : سينتقم منك أبي .. أقوى رجال فارس .. فقال له رستم : ومن هو أبيك ؟؟ رد عليه الرجل الذي لم يكن سوى ابنه سهراب وهو يلفظ أنفاسه : أبي هو رستم .. طبعاً كل هذا من تدبير الملك كايووس .. رغم أن المبالغه وضعف الحبكه في بعض الأجزاء يثير التحفظ .. أما القصص الاخرى يمكن أن يعبّر عنها بالدراما مثل: فريدون والضحاك، زال و رودابه، بيجن و منيجة ..




أخيرا .. تعتبر الشاهنامه للفرس خيط رفيع يربط مابين ماضيهم وحاضرهم .. وللكثيرين كتاب قيم لايقدر بثمن وحجز مكانه في المكتبه العالميه كواحد من بين أهم الكتب في تاريخ البشريه ..


النسخه الأصليه للكتاب :
الترجمه الإنجليزيه
الترجمه العربيه

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More