تعديل

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

عن الخرابيط الشعريه .. والعظام المفككه .. والنزف الدماغي المستمر ..



دائماً ما أتسائل .. لماذا عندما تهاجر العقول العربيه بشكل عام الى الغرب غالباً ماتبدع وتصبح من النوابغ ؟؟ بينما لو ظلوا في بلدانهم ربما لانسمع حتى عنهم .. هل هي عقدة النقص آم الرغبه في التميز ؟؟ أم أن المجتمعات هناك تهيأ الجو المناسب للإبداع والإبتكار ؟؟ هل الخلل هنا في التربيه أم في الإمكانات أم في الثقافه أم في كل هذا ؟؟

في صغري كنت أحب الشعر بشكل كبير .. وكنت أقرأ لكثير من الشعراء .. وكإفراز طبيعي كانت لي محاولات ساذجه بسيطه لكتابته .. وكنت غالباً ما أتخذ (مجلس الرجال) للكتابه هناك .. ربما هو شعور طفولي بأني قريب من عالم الكبار .. أو أنني أستمد إلهامي من بقايا حكاياتهم وآشعارهم .. المهم أن الأمر تطور معي وأصبحت آحتفظ بدفتري الخاص هناك .. برغم أني لم أكتب وقتها فيه إلا ماظننته مناسباً من وجهة نظري .. وهذا لم يتجاوز بضع صفحات على كل حال .. ذات يوم أتى أحد الضيوف فلما رجعت إليه بالقهوه وجدت إبتسامه سخريه كريهه ترتسم على طرف شفتيه وهو يقلب صفحات دفتري العزيز .. كنت أرتجف خجلاً وإرتباكاً لأنه آول شخص يقرأ هذه الأشعار .. التفت إلي وقال : من كتب هذه ؟؟ .. قلت له بخجل امتزج بفخر طفولي : أنا .. قلب بصفحات الدفتر قليلاً وعلامات (القرف) واضحه على محياه ثم رمى الدفتر وقال كلمه مازال صداها يتردد في أذني إلى اليوم كلما قرأت الشعر (وش هالخرابيط ؟؟) .. هكذا ببساطه كأنه ينقد قصائد للمتنبي أو البحتري .. وما المتوقع من طفل بالثامنه على كل حال ؟؟ طبعاً غني عن القول أنني منذ ذلك الوقت لاأستطيع كتابة شطر بيت واحد .. وبالتأكيد لا أقصد هنا أن المجتمع خسر أحد فطاحلة الشعر .. فقط أورد القصه كمثال ..




أتذكر أن أحد الأصدقاء حكى لي أنه في صغره مبهور بالحركه الديناميكيه لألعابه .. اعتاد أن يفكر بتفكيك ألعابه وفهم حركتها والقطع الداخليه لها ،، وكان يقضي وقتاً طويلاً في هوايته هذه أكثر مما يقضيه في اللعب فيها .. وكان يتحرق شوقاً للهدايا لا لكي يستمتع باللعب فيها بل بتفكيكها ودراستها وتصنيف قطعها .. وإقامة تجارب عديده عليها تنتهي غالباً في سلة مهملاته .. أثناء تخرجه من الإبتدائيه تدفقت عليه الكثير من الهدايا ومن ضمنها هديه غالية الثمن من أمه .. لم يطق صبراً حتى يلعب بها بل عمد إلى تفكيكها قطعه قطعه .. وأثناء إنشغاله بعمله أرادت أمه أن تتأكد من أن صغيره نائم .. فتحت باب الغرفه لتجد المنظر المبهج أمامها .. انطلقت توبخه بقسوه وشدت أذنه قائله (لو فككت أي شي ثاني فككت عظامك) .. صديقي هذا اليوم يشغل منصباً حكومياً ويؤدي دور الحمار الذي يحمل أسفاراً ببراعه تامه ..


في بلادنا مع الأسف لاتوجد أرضيه مناسبه لتحفيز المبدعين .. فنحن لانعاني نقصاً في الإمكانيات والموارد .. بل الخلل من أساليب تربويه تقليديه تقتل الذكاء والعبقريه في مهدها .. و الذكاء يعتمد على عاملين مهمين هما الوراثه والتربيه .. بالنسبه للعامل الاول لا أحد يستطيع التحكم فيه وهو يترواح من شخص لآخر .. لكن التربيه وسط مجتمع ألف التقليد ولا يرحب كثيراً بالأفكار الجديده هو أكبر إحباط يواجهه أصحاب المواهب .. طبعا لا أنفي دور التعليم الذي يكون وظيفته هنا (إكمال الناقص) .. من خلال إعتماده الكلي على التلقين وتعطيل وظيفة العقل وشحذه على التفكير .. رغم أن مهارات التفكير جزء مهم جداً في أنظمة التعليم الغربيه .. لأن عجلة التقدم والعلوم أصبحت تتسارع أكثر منذ نهاية القرن العشرين .. ويجب أن يكون الشخص جزأ من العمليه الإبداعيه وليس مجرد متلقن .. لكي يكون الإبداع عمليه متواليه أي أنه يقوم بجمع المعلومات وفرزها والإضافه عليها ثم يرسلها إلى شخص آخر وتستمر العمليه .. وكل هذا لن يكون ذا فائده إن لم تحدث عمليه تكامليه بين الأسره والمجتمع والمدرسه في تشجيع الجيل الجديد على التفكير وتنمية مواهبهم .. وهذا يجعلنا أن نتأمل مستقبلاً بأن يكون بين أحد صغارنا من يكون مكتشفاً أو مخترعاً .. لا أنكر اليوم أن هناك بعض المؤسسات تعنى بالموهوبين لكن نجاحاته محدوده لأن الثقافه نفسها لم تتغير ..




المجتمع هو من يقرر بيده إذا ما أراد التطور أو التبعيه للدول الأخرى .. للأسف أنه في مجتمعاتنا تجد الساخرين والمتشائمين لكل فكره جديده .. وإحباط أصحابها مهما كانت مفيده ومبتكره .. إن لم يكن هناك إحباط فلن يكون هناك أي تشجيع .. أما في دول العالم الأول يجد المبدع كل الدعم من كل النواحي .. لذلك نزيف الأدمغه مازال مستمرا للأسف .. لأن هذا يشكل خسائر جمه لبلدانهم .. ففي أحد تقارير الجامعه العربيه بينت أن الخسائر الإقتصاديه السنويه تبلغ 200 مليار دولار جراء هجرة العقول العربيه .. هذا على الجانب الاقتصادي فقط ..


وحتى نفهم المشكله بشكل أفضل ماذا لو عكسنا الوضع .. ماذا لو كان بعض الناجحين في الغرب عاشوا في مجتمعاتنا ..؟؟ سيكون بيل جيتس شخص فاشل لم يستطع اكمال تعليمه الجامعي واضاع وقته في أفكار برمجيه غبيه .. وسيكون ستيف جوبز (خط 110) بما انه متبنى يتنقل من وظيفه لأخرى .. أما جوركا فسيكون نصاباً قحاً .. و صابر باتيا سيتحول اسمه إلى (سديق مخ مافي) .. حتى بالنسبه للعلماء السعوديين جميعهم قدموا أفضل ماعندهم عندما ذهبوا لبلاد العم سام ..


يقول الرئيس باراك أوباما : (لو كنت استمعت للمتشائمين يوما، ما كنت وصلت لهذا المنصب) ..


محظوظ هو أوباما بشكل لايتخيله لأنها لم يعش بيننا ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More